25 - 06 - 2024

كش ملك | "التوقيت" في خدمة "التكتيك"!

كش ملك |

التكتيك في الشطرنج والحرب والسياسة هو المناورة بالحركة ، سواء على الرقعة أو الجبهة أو الورقة .. والهدف الوصول إلى "كش مات"، أو إلى الهجوم الخاطف قي ميادين القتال والانسحاب بأقل خسائر ممكنة في الوقت نفسه ، وعلى الورقة اتخاذ القرارات الصعبة في الوقت المناسب الذي يقبله المزاج الشعبي العام.

نجاح الحكومة المصرية في تمرير قرار رفع أسعار المحروقات منذ أيام دون خسائر "أمنية" ، يصلح نموذجا لــ"نظرية الوقت المناسب" في التكتيك السياسي .. فالحكومة لا تستطيع زيادة الأسعار بين ليلة وضحاها في مسرح  يجلس "الغضب" على مقاعده ، وبالتالي تستخدم "التوقيت" في حد ذاته كتكتيك ، وليس كزمن يستمر ويمضي معنا لسنوات قادمة ، وتكون مؤشرات التفاؤل والتشاؤم به مرتبكة.

وتأسيسا على فكرة التكتيك ، انتهزت الحكومة فرصة صعود منتخب الكرة للمباراة النهائية ، وصعود مؤشر "المزاج الشعبي" في بورصة السياسة ، وأصدرت قرارها برفع أسعار المحروقات ، بعدما أنهى التكنوقراط ووكلاء الوزاراء الدراسات والأبحاث اللازمة لقرار بحجم "رفع الأسعار" في وقت سابق على صدور القرار.

كذلك في إدارة أزمة سد النهضة ، تستخدم مصر تكتيك التوقيت .. صحيح أنه تكتيك يعوق مساره عدم اكتمال عناصره في التعبئة والانتشار، حيث تقف قوى إقليمية ودولية أمام الفرص المصرية لحشد الدبوماسية الدولية معها للضغط على الجانب الأثيوبي وإجباره على التوقيع الذي يرضي السودان ومصر معا .. صحيح ذلك، لكن علينا لا ننسى  أن بدائل "التوقيت" محدودة ، وحتى لو يئست مصر ومعها السودان من الدبلوماسية ، فإن التكتيكات الأخرى لابد لها من "توقيت" مناسب.

والتوقيت في حقيقة الأمر ، هو جوهر التكتيك في الشطرنج والحرب .... هتلر مثلا ، لم يراع توقيت فصل الشتاء ، وتحدى الجنرال "ثلج" رغم تحذيرات قادة جيشه ، فخسر كل شىء .. أيضا عساف ياجوري  قائد اللواء الإسرائيلي 190 مدرع ، الذي طبق قواعد ا"لاختراق" في غير توقيتاتها ، فجاءت "نقلاته" على المحور الأوسط للفرقة الثانية مشاة مكشوفة ، ووقع أسيرا لقوات العميد حسن أبو سعده قائد الفرقة الذي تصدى لأول هجوم مضاد من القوات الإسرائيلية في حرب 73 ..

بيد أن التوقيت في السياسة قد يصبح في أحيان قيدا على التكتيك ذاته، عندما تضيق مساحة الحركة ، خصوصا في بلد مثل العراق يحكمه دستور طائفي وأحزاب مقيدة بحسابات إقليمية ودولية ، حيث تصبح البدائل أمام التكتيك السياسي فيما بين الأحزاب، مع بداية موسم الانتخابات تكاد تكون منعدمة ، والأزمة الأخيرة هناك حول تشكيل الحكومة واشتراط التيار الصدري استبعاد نوري المالكي (رجل إيران الأول) وصل إلى مرحلة التهديد بالعنف إذا لم يجد أعضاء المعسكر الإيراني مقاعد وزارية لهم في التشكيل الحكومي المنتظر .. الرصاص في العراق تحول إلى تكتيك مقيد بالتوقيت، ما نتج عنه ما يمكن وصفه بـثنائية (الديمقراطية ـ الإرهاب) حيث  تدور عجلة الحياة السياسية ، بقيام "الديمقراطية" بتخصيص مبلغ ملياري دولار، استقطعتها من الموازنة العامة ، لشراء السلاح لميليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران ، بينما يدخل في الوقت نفسه قادة التشكيلات العسكرية البرلمان بانتخابات حرة نظيفة لا يشوبها التزوير..

على الجانب الآخر، يلعب " التوقيت" دورا مؤثرا في التكتيك السياسي داخل حزام النار من حولنا ، خصوصا عندما يأتي موسم الشتاء ، فيخفت صوت الرصاص  بعض الشيء ، ويقل مدى المدافع ، ويحتاج المقاتلون إلى العلاج و الدفء ، ويحتاج السياسيون أغطية سياسية وعسكرية ، إما لفرض شركاء جدد في الأمن العربي (الخليج ـ إسرائيل نموذجا) أو لعقد صفقات لشراء وتهريب السلاح للميليشيات المسلحة في ليبيا واليمن وسوريا.

التوقيت في نهاية الأمر في الخدمة ويلعب دورا رئيسا في التكتيك ، وبدونه لن يستطيع لاعب الشطرنج الوصول إلى ملك المنافس، واختياره الخاطىء في ميدان القتال ينتهي إلى الاستسلام ، وحضوره (التوقيت) داخل القصور ضرورة  سياسية قبل أن تكون أمنية، على الأقل لتجنب "كش ملك"..مات!
------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الشارع لمين ؟





اعلان